کان ولا یزال للانتقاد مکانة مرموقة فی الدراسات السیاسیة والاجتماعیة والثقافیة ولا سیّما فی الدراسات الأدبیة. ففی العصر الحدیث انطلاقاً من نشأة الحرکات السیاسیّة والاجتماعیّة فی الشرق الأوسط، اتخذ الشّعراء مواقف نقدیّة للحوادث الّتی طرأت فی مجتمعهم وقاموا بنقد الشعب والحکام فیما کانوا علیه حیناً وبإرشادهم وهدایتهم للخروج من المآزق الموجودة حیناً آخر.
والمقارنة بین الأفکار الانتقادیّة لشاعر وشاعر آخر وتعاملهما البنّاءة للوصول إلی الوضع المطلوب من أهمّ الطرق للتعرف علی الاتجاهات المشترکة فی الشعر العربی والفارسی الحدیث. وکان محمود سامی البارودی (1838-1904) وملک الشّعراء بهار (1265-1330 ش) من الشّعراء المجدِّدین فی العصر الحدیث وکانت العنایة بالقضایا الاجتماعیّة من أهم میزات شعرهما.
وتهدف هذه الدراسة مستفیدة من المنهج الوصفی التحلیلی إلی الکشف عن التشابه والتفاوت فی الانتقادات الاجتماعیّة المتناولة لدی الشاعرَین علی أساس المدرسة الأمیریکیّة للأدب المقارن؛ ووصلت الدراسة إلی أنّ الشاعرَین یتّفقان فی الانتقاد عن النفاق الموجود بین الخواص والعوام أشد الاتفاق ویختلفان فی الانتقاد عن ظلم الحکام، حیث ظهر ذلک عند بهار أشد مضاضة وأوجع أثراً من البارودی؛ وفی موضوع عدم اعتناء الناس بالأوضاع السائدة فی المجتمع، ینتقد الشاعران عن غفلة الناس إلاّ أنّ البارودی یبیّن ذلک بالصراحة ویستفید بهار من الرمز والکنایة؛ وفی موضوع التراث والأصالة یؤکّد البارودی علی المفاخر الوطنیّة والقومیّة للأسلاف، بینما یؤکّد بهار علی علمهم وعدالتهم.
)